إن التفكير المنطقي هو أمر يروق لأي مثقف. الأمر كله يتعلق بتقديم معلومات واقعية. كصحفيين، نستخدم الحقائق باستمرار بمفردنا. ومع ذلك، فإن الانتشار السريع للمحتوى المضلل أظهر أن المنطق والحقائق وحدها لا تكفي في بعض الأحيان. يعتقد الكثيرون في عالم الصحافة أن التحقق من المعلومات ودحضها هو العلاج لوباء المحتوى المضلل. يمكن أن ينطبق ذلك على عدد صغير من المتلقين للحقائق والمعلومات الجديدة، ولكن بالنسبة للغالبية العظمى فنحتاج إلى أكثر من مجرد الحقائق.
من المفترض غالباً أن تبدأ من جمهورك. ينبغي أن ننطلق من منطقهم هم، وليس من منطقنا. ينبغي النظر إلى ما يؤمن به جمهورنا، واللغة التي يستخدمونها ونوعية القصص التي يحبونها. باستخدام منطقهم الخاص، ستكون لديك فرصة أفضل لاستقاء المعلومات. قد تبدو الإحصاءات الرسمية ذات صلة في ما نود نود طرحه، ولكن إذا اعتقد جمهورنا أنه لا يمكن الوثوق بالأرقام الواردة من الجهة التي تسن القوانين وفقدت تلك الجهة مصداقيتها لدى الجماهير، فيجب علينا إعادة التفكير في الاستراتيجيات التي نتعها. من الممكن دائمًا إعادة قولبة معلوماتنا بصياغة واصطلاحات وإطار مختلف تناسب جمهورنا بشكل أفضل.
التحقق هو أمر ضروري في الصحافة الجيدة، لكنه ليست نقطة النهاية. يكشف التحقق أكثر من مجرد الفجوات المعرفية. تشير الادعاءات الباطلة والمحتوى المضلل التي تنتشر من خلال الحقائق الخاطئة أو السيئة أيضاً إلى الحالة العاطفية لجمهورنا، ومن يكسب ثقتهم ومن أين يستقون معلوماتهم. يمكن أن تساعدنا مختلف هذه التفاصيل في بناء قصص تصل إلى جمهورنا بطريقة أكثر إقناعاً وتترك انطباعاً أقوى عليهم.
يمكن أن تساهم عمليات التحقق والسعي إلى التنويه حول الأساطير والروايات الكاذبة بأثر رجعي، إذا لم نقم بهندسة عملية كشفنا للتزييف بطريقة حكيمة ومناسبة. إذا استخدمنا أو ناقشنا نفس اللغة والقصص والصور الواردة لدى الطرف الآخر (مثلاً التعليق على ما كتبوه أو نشروه أو غردوه)، لربما نمنح الطرف المزيد خدمة كبيرة دون نية بذلك، حيث يساهم قيامنا بالكشف عن محتواهم إلى تسليط الضوء عليهم وعلى المشاهدات الواردة لديهم. يمكن أن يساهم ذكرنا لهم في لفت الأنظار إليهم وإعطاؤهم قدراً أكبر من الاهتمام مما يستحقون. لذلك يحبذ:
هناك سؤالان يجب أن تطرحهما على نفسك بعد إجراء تمرين التحقق.
بمجرد إجراء التحقق، وإدراك أن المعلومات خاطئة، يجب أن تكون نقطة انطلاق مقالتك أو محتواك هي ما يعتقده جمهورك في الوقت الحالي، ثم تقديم المعلومات الجديدة بطريقة تأخذ في الاعتبار منطق المتابعين.
تتضمن المصادر الموثوقة (المعتمدة) الأشخاص الذين يثق بهم جمهورك. خلال أزمة كوفيد-19، نلاحظ أن الكثير من المعلومات الخاطئة ينشرها «أشخاص مثلنا» (على سبيل المثال، أفراد الأسرة الذين ما زالوا يعتقدون أن الجائحة هي مجرد «إنفلونزا» عادية) أو «مشاهير» (على سبيل المثال إيلون ماسك الذي نشر قصص العلاجات المزيفة على تويتر في ذلك الوقت). هناك سبب وجيه يجعل الناس يصدقون هذه القصص أكثر مما يقوله الخبراء في الشاشات الرسمية: إننا نثق بهم، ونراهم يتحدثون لغتنا، ويعرفون كيف يشدون عواطفنا.
شحن العواطف هو أمر ضروري في أي إقناع. المنطق وحده لا يكفي للإقناع. العاطفة هي محرك هائل يساهم في تغيير طريقة فهمنا للأمور، وترتبط بالذاكرة. عندما نتخذ خيارات مهمة، مثلاً بخصوص سيارة أو منزل أو شريك، فإننا في غالب الأمر لا نعتمد على المنطق وحده. وتبين في الواقع أن أقل من 10٪ من السكان يعتمدون على المعلومات وحدها في اتخاذ القرارات الحاسمة. لذلك عندما نأخذ مشاعر جمهورنا بعين الاعتبار، يمكننا التفكير بالبدائل التي يمكن من خلالها أن نتحدى أفكارهم. من الضروري أن نكون على يقين أن عملية الإقناع يجب أن تتضمن إحداث تحول جذري في القيم وقلبها. في واقع الأمر يصعب أن نكتسب المعارف أو المهارات أو نتقبل المواقف الجديدة إذا لم يتم تشجيعنا على القيام بذلك. إذا كان الخوف يحاصر جمهورك على سبيل المثال، فيمكنك أخذ تلك المشاعر بعين الاعتبار في تقاريرك، ثم منح المتابعين بعض الطمأنينة أو الأمل بغد أفضل، مما يمكن أن يخلق تبدلاً في الحالة الشعورية.
لكي يكون لنا تأثير أكبر علينا: