التيسير المجتمعي Copy

Illustration by Freepik Storyset

ما هو التيسير المجتمعي؟

يحمل التيسير معانِ مختلفة عند مختلف الأشخاص. يعتمد نهج أية منظمة في التيسير على فهمها لماهية التيسير وغايتها منه.


بالنسبة لمعظم المنصات الرقمية، يشير التيسير إلى عملية مراجعة المحتوى وتحديد  مساره وتنقيحه وحذفه إذا لزم ذلك من خلال تطبيق مجموعة محددة مسبقا من القواعد والمعايير والإرشادات. فعلى سبيل المثال، تنفذ وسائل الإعلام التابعة لشبكة RNW Media  تيسيراً مجتمعياً يهدف إلى تشجيع الشباب على خوض حوار بنّاء قائم على الاحترام، مما يسمح للجميع بأن يكون لهم صوت. يساعد الاعتدال الاستراتيجي الدقيق للمحادثات عبر الإنترنت على بناء الثقة بين أفراد المجتمع، ما يمكن أن يشعرهم بالأمان للتعبير عن أنفسهم بحرية. هذا بدوره يغذي مجتمعات متنوعة قادرة على الصمود والتكيف والتمتع بعلاقات وطيدة ومنسجمة بين أعضائها.


إذا اعتمدنا على نهج “آر إن دبليو ميديا RNW Media “كمثال، فيما يلي بعض أهداف التيسير المجتمعي:

* ترغب “آر إن دبليو ميديا أن يجتمع الناس ويتفاعلون ويتبادلون وجهات النظر المختلفة.

* تريد ”آر إن دبليو ميديا”  أن يفكر الشباب بشكل نقدي فيما يتعلق بالتحديات التي تواجه مجتمعاتهم، وفي حالة موقع ومنصّات “اللاف ماترز” – بشكل يتعلق بحقوقهم الجنسية والإنجابية.

* تسعى “آر إن دبليو ميديا” إلى أن ينال المستخدمون معارف جديدة مصدقة، وفي بعض الحالات مراجعة أو تغيير بعض مفاهيمهم أو مواقفهم، إثر التفاعل على منصاتنا ومجتمعاتنا؛ نشجع بذلك تعدد وجهات النظر.

* تمنح “آر إن دبليو” RNW Media مساحة آمنة، بحيث يتم تشجيع النساء على المشاركة والشعور بإمكانية المشاركة بأمان وأريحية إجمالاً.


إن التيسير هو أداة لخلق مجتمع رقمي حيوي يقوم على الاحترام واستيعاب التنوع والاختلاف. إنها أداة هامة للتواصل مع المستخدمين، ويفسح المجال للإصغاء إليهم، ما يساهم في خلق مساحة لتبادل المعلومات. يمكن أن يفيد ذلك  في علاقة التبادل بين الميسّرين وأصحاب الاختصاص والميسّرين، وبين المستخدمين أنفسهم. يتيح التيسير قيام المستخدمين بالمناقشة الحيوية ويشجعهم على ذلك، كما أنه يخلق مساحة آمنة بحيث يشعر الشباب بأنهم قادرون على المشاركة في النقاش، وأنهم يستفيدون.

من منظور إجرائي أكثر، يوفر لنا التيسير فرصة لتنقيح وصياغة النبرة إذا لزم الأمر، وتصويب الاهتمام إلى موضوع المحتوى، وإعادة المستخدمين إلى الموضوع الرئيسي إذا تشتتوا أو تفرّعوا عنه، والحد من النقاشات المحتدة، وتقديم معلومات إ ضافية أو الإجابة على أسئلة المستخدمين، وضمان أن يكون الحوار في أجواء صحية وآمنة ومحترمة.

يمكن للإساءة والمضايقة عبر الإنترنت أن تحبط الناس وتجعلهم يفكرون مرتين قبل مناقشة القضايا التي تعنيهم والتعبير عن أنفسهم، وربما اليأس والعدول عن البحث عن آراء أخرى. لذلك، يتم تيسير المناقشات على منصاتنا بهدف أن تبقى مكانا آمنا للمناقشة والحوار.

مثال من قواعد وإرشادات التيسير: شبكة “لاف ماترز” العالمية

قواعد إرشادات التيسير

    – مسؤوليات التيسير:

  • على الميسّرين متابعة التواصل الاجتماعي على الانت بانتظام – على الأقل مرة/مرتين في اليوم. إن التشجيع على المشاركة يمكن أن يبقي المجتمع متحمساً. إذا لم يتم التيسير كما ينبغي، يمكن أن تمتلئ المواقع والصفحات برسائل الـ “سبام” بسرعة والتعليقات غير المرغوب بها التي تدفع المستخدمين في النهاية بعيداً عن الصفحة.
  • من المهم أن يكون الميسّرون موجودين لإدارة توزيع المحتوى الجديد – خاصة في الموضوعات النموذجية – وهذا بغرض تصويب نبرة الكلام إذا لزم الأمر، والحفاظ على أن يبقى النقاش حول الموضوع الأساسي، والمساعدة تلقائياً في أن يستمر مسار النقاش. يجب العمل عن كثب مع المشرفين على المجتمع وقسم التسويق ومعرفة حيثيات نشر المحتوى وتوقيته.
  • يشرف الميسّرون على أن يتم العمل بقواعد وإرشادات المجتمع، والتأكد من أن أجواء النقاش آمنة وأن المستخدمين يشعرون بالقدرة على المناقشة.
  • الميسّرون ممكن أن يظهروا بعض قواعد التعامل بسلوكهم. مثلاً بتحدي بعض الآراء بطريقة تحاورية وإظهار كيفية خوض نقاش بنّاء ومحترم.

    تصنيف تعليقات المستخدمين
    يعتمد تصنيف تعليقات ونوايا المستخدمين في النهاية على حكم الميسّرين. لا يحتاج الميسّرون إلى تسجيل وتصنيف جميع تعليقات المستخدمين، ولكن عند اتخاذ قرارات بخصوص كيفية الإجابة والرد على الناس، يمكن أن يكون ذلك أداة مفيدة. فيما يلي وصف موجز لبعض التعليقات الواردة التي يمكن أن نتلقاها:
  • تعليقات داعمة/بناءة ؛ مستخدم يعلّق/يرد على الصفحة أو على مستخدم آخر بقصد إجراء مناقشة محترمة.
  • تعليقات استقصائية/فضولية; المستخدمون يطرحون أسئلة، يستفسرون حول المحتوى أو يطلبون مزيد من المعلومات حول  الموضوع المطروح.
  • تعليقات سلبية/غير بنّاءة؛ رد سلبي من مستخدم على مستخدم آخر أو على الصفحة- ليس بغرض خوض نقاش أعمق. يتم ذلك في سياق أفكار متصادمة (استقطاب)، ويتمثل بنوع من المونولوج (لا يوجد حوار وإنما مجرد هجوم).
  • تعليقات عدائية; مستخدم يشارك في المحادثة ولكن ليس بنوايا حسنة – يهدف في الواقع إلى إثارة الخلاف والنعرات والمهاجمة.
  • تعليقات مسيئة/منتهكة: يمكن أن يندرج ذلك من التهديد بالعنف إلى خطاب الكراهية.

   – كيفية التعامل مع التعليقات السلبية والمهاجمة

إذا كان المستخدم ينشر الانتقادات/التعليقات السلبية، فيجب الحرص على التعامل معها بحذر وحكمة، ولكن لا تتم إزالتها في الغالب. إذا كان المنتدى يحتوي فقط على تعليقات إيجابية- سيتنافى ذلك مع مبادئ الحوار وفكرة الرأي والرأي الآخر (التي نحاول في شبكة “لاف ماترز” وشركائنا غرسها). لا مانع لدينا في الانتقاد.  

بالنسبة للتعليقات السلبية/غير البناءة فيمكن مراقبتها، ومع ذلك لا يتم اتباع اجراءات حيالها، إلا إذا لوحظ أنها تهيمن على مسار النقاش، أو تزيد عن حدها وتتجاوز، وفي هذه الحالة نحتاج إلى مراجعة سبب وجود هذا القدر من الانتقادات.
إذا كان التعليق السلبي غير دقيق، أو يتضمن معلومات مغلوطة و/أو مضللة، فمن المهم إضافة محتوى أو معلومات إضافية تعمل على وضع النقاط على الحروف، وتصويب المعلومات وتوضيح بعض المفاهيم الخاطئة بطريقة بديلة. أو مثلاً يمكن للمشرف أن يطلب من المعلق السلبي توضيح وجهة نظره وسبب اعتقاده بفكرة ما.
التعليقات العدائية أحياناً تكون صادرة عن متصيدين بهدف التشتيت المتعمد وخلق بلبلة في المنصّة وتحوير النقاش لغايات معينة.

في حال التعليقات السلبية أو العدائية، يمكن للميسّرين التعامل بثلاث طرق رئيسية:

أ. التحدي: يمكن أن يتخذ هذا شكل استجواب المستخدم/الشخص المعني، أو تزويد معلومات/أبحاث لتفنيد آرائهم، أو توجيه المستخدمين إلى قواعد وإرشادات التعامل.

ب. تجاهل التعليقات: وهي طريقة لضبط الأمور لأن التعليقات غير البنّاءة لا تتم ملاحظتها غالباً إذا لم يتم تسليط الضوء عليها أو الرد عليها. ج. إخفاء التعليقات: يجب تطبيق هذا على المخالفين الذين يتجاوزون حدهم أكثر من مرة، حتى بعد تنبيهات الميسّرين، ويحبذ أن يكون ذلك مصحوباً برسالة خاصة. إذا أصبح المستخدم مصدر إزعاج على الصفحة وغير راغب في اتباع قواعد إرشادات الاستخدام، حتى بعد إعلامه وتحذيره، فيمكن التفكير في حظره.

– كيفية التعامل مع التعليقات المنتهكة إو العدائية

تشمل التعليقات المنتهكة: التعليقات المسيئة أو العدوانية أو البذيئة أو ذات الطابع العنصري/المتهجم ضد فئة ما، بما في ذلك الهجوم الشخصي والتحريض على العنف. لا ينبغي التسامح مع هذه التجاوزات تحت أي ظرف من الظروف. إذا وردت تعليقات مسيئة أو عدائية، فيجب على الميسرين إخفاءها بمجرد رؤيتها.
اعتماداً على تقييم الميسّر، ينبغي تنبيه (إنذار) المستخدم المتجاوز في هذه الحالات، وإبلاغه بأن هذا يتنافى مع شروط الاستخدام أو تقديم بطاقة صفراء. إذا تجاوز المستخدم حدوده أكثر من مرة، أو كان من الواضح أنه يرسل رسائل “سبام”، فيمكن العمل على حظره. من الضروري هنا الالتزام بالشفافية وتطبيق موازين ثابتة تنطبق على الجميع. لا تحظر أبداً شخصاً لمجرد انتقاده أو وجود رأي مثير للجدل لا يعجبك. إذا كنت محتاراً من أمرك، فيمكنك الرجوع إلى دليل قواعد وارشادات التعامل ومن ثم تقرر كيف ستتعامل مع التعليق الوارد. بعد حظر المستخدم ، يمكن تسجيل الواقعة في تقرير وإرسال ذلك إلى أعضاء فريقك ذوي العلاقة.

حين يتصرف المستخدمون بأسلوب إيجابي ومحترم: كيف نعزّز ذلك ونعبّر عن امتناننا

من المهم أيضاً الاقرار بأهمية مشاركة المستخدمين باحترام في المحادثة والالتزام بإرشادات السلوك. يمكن للميسّرين القيام بذلك عن طريق شكر المستخدمين على مساهماتهم، أو الإعجاب بتعليقاتهم (أو ردودهم)، وبالتالي تسليط الضوء على هذه التعليقات في السلسلة وجعلها بارزة، و/أو الرد على المستخدمين بطريقة إيجابية.

– كيف نحد من الاستقطاب والردود المتصادمة
فيما يتعلق بالنقاشات المحتدة وحالات الاستقطاب عبر الإنترنت، من الجيد حسب تجربتنا الاعتماد على بعض الأساليب/التقنيات للحد من الاستقطاب الحاصل وتحوير الموضوع –  مثلاً عبر التركيز على التطلعات والشؤون العامة وما يوحّد الناس، وإدارة المحادثات بطريقة لا تطلق الأحكام.
من المهم أن نتنبه للاستقطاب والحساسيات التي يمكن أن تدور في مجتمع النقاش. الاستقطاب في أبسط أشكاله هو “نحن “ضد” هم” ، بحيث “نحن على حق وهم مخطئون”. الاستقطاب هو تركيب وهمي للهويات بطريقة تسعى إلى الاقصاء ونوع من الفتنة. هنا يتم التهجم على مجموعة معينة ومحاولة دفع المناقشين للتحيز لطرف ضد آخر، أو للوقوف بجانب فكرة ما بطريقة محصورة ومحتدة. يحاولون بشتى الطرق جذب المناقشين لأفكارهم ودفعهم لمناصرتها. هنا يخرج النقاش عن حيز الموضوع والمشكلة الرئيسية ليصبح أداة للتهجم، وتضيع المفاهيم وأصحاب الفكرة بين الآراء المتصادمة.
 
– اقتراحات للتعامل مع حالات الاستقطاب:
عند التعامل مع حالات الاستقطاب واحتدام الصراع، فيما يلي بعض الاقتراحات:

  • تغيير الجمهور المستهدف: هناك من يحاول دفع النقاش بحيث يبدو أن هناك عدواً في الطرف الآخر. كذلك يستهدفون من هم في الوسط. يمكن أن نفعل ذلك عبر تجاهل المواقف المتطرفة في آرائها والمتحيزة لطرف بشكل حاد، وملاحظة الآراء الأخرى بحيث نسلّط الضوء على المواقف الوسطية.
  • تغيير الموضوع: يمكن أن نغير موضوع الخطاب/الطرح/السرد أو الهوية المركبة التي انطلق منها من بادر بالاستقطاب، وأن نبدأ بخوض نقاش عام يشغل الناس عن الخطاب الهجومي، بحيث نركز على ما يوحّد الناس وربما نميل إلى المواقف الوسطية أو الحيادية. ينصح بتبني هذا التوجه بشكل عام في المحتوى، ولكن يمكن اعادة تصويب النقاش على ما يشغل الناس إجمالاً مثل سعر ربطة الخبز.  
  • ت‌.      تغيير موقعك: لا تقع في فخ فرض نفسك وكأنك أعلى من التحزّب لإحدى الجهتين، أو أطراف الاستقطاب، ولكن تحرك نحو الوسط. لا تضيع جهودك في محاولة بناء الجسور (بل تجاوز القطبين)وضع نفسك في المنتصف (مرتبط مع الآخرين، وفي نفس الوقت خذ دورك كمحاور/وسيط في هذه الحالة).
  • ث‌.      تغيير النبرة: علينا أن نتذكر أن دورنا لا يتمثل في اختيار من هو على صواب أو خطأ أو الدفاع عن حقائق معينة. علينا اتخاذ خطاب محايد ومهني في الكلام خلال التيسير، وإشراك من هم في الوسط أو على الحياد أو التواصل/التفاعل معهم. من الضروري علينا كميسّرين عدم الوقوع في فخ إطلاق الأحكام، أو الحكم على من هو “المذنب”. علينا أن نترفّع عن ذلك ونركز على الأسلوب التحاوري، وأن نحيّد هذه الخلافات، ونتبع توجهاً وسلوكاً مهنياً بشكل عام، بحيث لا نظهر رأينا، ولا نقع في فخ الاستقطاب، وفي نفس الوقت نحترم الجميع ونحرص على سلامة المنصة. ليس دور الميسّرين اطلاق الأحكام وإنما تطوير خطاباً وسلوكاً تحاورياً.
    المصدر: (Understanding the Dynamics of Us Versus Them by Bart Brandsma).